تمجيد قيم الحق والعدالة لا يكفي وحده لإثارة ضمائر الدول كي تتعاطف وتقف إلى جانب مظلومية الشعب الفلسطيني، فمسألة الصراع مع العدو «الإسرائيلي» ليست أخلاقية فقط ليقال إنّ الفوز بها كفيل بإعادة الحق إلى أهله، وإنما ترتبط بمنطق القوة والإمكانات المادية التي أُمرنا كمسلمين أن نعدّ لها وذلك قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّهِ وَعَدُوّكُمْ». منذ سنين طويلة ونحن نحارب على هذه الجبهة الأخلاقية كي يعترفَ العالم بما يجري من جرائم وفظاعات واحتلال وطرد وتهجير وتجريف، ولكن من دون جدوى. وحتى هذه الحرب تفوّق فيها العدو «الإسرائيلي» عندما روّج أنّ العرب والفلسطينيين إرهابيون وقتلة، وأنّ اليهود محاصَرون ومطاردون، وعلى شعوب العالم أن تدعم «حقهم» في البقاء والأمن في محيط بشري يريد اقتلاعهم ورميهم في البحر، على ما زعموا. صدّقهم العالم ولم يصدّق الفلسطينيين والعرب. وقف العالم إلى جانب الصهاينة ولم يأبه لمطالبات العرب لأنّ حجة اليهود كانت أقوى وتبريرهم كان أبلغ وصوتهم كان أعلى. إذاً حتى في المعركة الأخلاقية التي خيضت لسنوات طوال خسر فيها العرب ولم ينجحوا في إيصال مظلوميتهم إلى العالم. فلماذا بقي الإصرار على خوض المعركة في هذا الجانب فقط، والغفلة عن مراكمة القوة المادية العسكرية؟ إنّ الصراع مع العدو «الإسرائيلي» لا يمكن أن يتقرّر في إطار البعد الأخلاقي وحده على أهميته، بل بميزان القوى والتنظيم والإرادة ومراكمة الخبرات واقتصادات قوية وجيوش فاعلة ومجتمعات واعية ومتحفزة. وهذا ما رمى إليه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الشهير حول القدس بعد قرار الرئيس الأميركي. لا أقول إنّ علينا الكفّ عن إثبات مظلومية الشعب الفلسطيني، ولكن بات واجباً علينا نقل التوجهات والأفكار إلى مستوى آخر. فبدلاً من أن نقول لشعوبنا إنّ الشعب الفلسطيني مظلوم ومسلوب الحقوق علينا أن نقول لها: إنّ المطلوب تعبئة كلّ الموارد والطاقات والإمكانات العربية والإسلامية نحو رفد الشعب الفلسطيني بأسباب الصمود ومدّه بالسلاح. وإنّ المطلوب الانتقال من الشعارات إلى الأفعال. أيّ التحرك والتظاهر وجمع الأموال ونقل السلاح وكلّ ما يمكن عمله على الصعد كافة لمواجهة المشروع «الإسرائيلي». القوّة الغاشمة تفترض مقاومة تمتلك الإرادة والوعي والحافزية والإلهام والأمل بالمستقبل، والرهان على حركة الشعوب هو من ضمن الإيمان بنجاح المعركة والنصر فيها في نهاية المطاف. لذلك أقول للفلسطينيين من الآن وصاعداً لا حاجة لهذا الكمّ من الخطابات الأخلاقية ولا تستعطفوا أحداً هو في الأساس معاند وجحود، بل اذهبوا إلى بناء قوتكم الذاتية وخوضوا معركة التحرير بالاتكال على الله والشرفاء!